فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والَّلْمح: النظر بسرعة؛ يقال: لَمَحه لَمْحًا وَلَمحانا.
ووجه التأويل أن الساعة لما كانت آتية ولابد جُعلت من القرب كلمح البصر.
وقال الزجاج: لم يرد أن الساعة تأتي في لمح البصر، وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها؛ أي يقول للشيء كن فيكون.
وقيل: إنما مَثّل بلمح البصر لأنه يلمح السماء مع ما هي عليه من البعد من الأرض.
وقيل: هو تمثيل للقرب؛ كما يقول القائل: ما السَّنة إلا لحظة، وشبهه.
وقيل: المعنى هو عند الله كذلك لا عند المخلوقين؛ دليله قولُه: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًاوَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 6].
{أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} ليس {أو} للشك بل للتمثيل بأيهما أراد الممثل.
وقيل: دخلت لشك المخاطب.
وقيل: {أو} بمنزلة بل.
{إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} تقدّم.
قوله تعالى: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا}.
ذكر أن من نعمه أن أخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالًا لا علم لكم بشيء.
وفيه ثلاثة أقاويل: أحدها لا تعلمون شيئًا مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم.
الثاني لا تعلمون شيئًا مما قضى عليكم من السعادة والشقاء.
الثالث لا تعلمون شيئًا من منافعكم؛ وتَمّ الكلام، ثم ابتدأ فقال: {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة} أي التي تعلمون بها وتدركون؛ لأن الله جعل ذلك لعباده قبل إخراجهم من البطون وإنما أعطاهم ذلك بعد ما أخرجهم؛ أي وجعل لكم السمع لتسمعوا به الأمر والنهي، والأبصار لتبصروا بها آثار صنعه، والأفئدة لتصلوا بها إلى معرفته.
والأفئدة: جمع الفؤاد نحو غراب وأغربة.
وقد قيل في ضمن قوله: {وجعل لَكُمُ السَّمْعَ} إثبات النطق لأن من لم يسمع لم يتكلم، وإذا وجدت حاسة السمع وجد النطق.
وقرأ الأعمش وابن وَثّاب وحمزة: {إمّهاتِكم} هنا وفي النور والزُّمَر والنجم، بكسر الهمزة والميم.
وأما الكسائي فكسر الهمزة وفتح الميم؛ وإنما كان هذا للإتباع.
الباقون بضم الهمزة وفتح الميم على الأصل.
وأصل الأمهات: أمّات، فزيدت الهاء تأكيدًا كما زادوا هاء في أهرقت الماء وأصله أرقت.
وقد تقدّم هذا المعنى في الفاتحة.
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فيه تأويلان: أحدهما تشكرون نعمه.
الثاني يعني تبصرون آثار صنعته؛ لأن إبصارها يؤدي إلى الشكر.
قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السماء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله}.
قرأ يحيى بن وَثّاب والأعمش وابن عامر وحمزة ويعقوب {تروا} بالتاء على الخطاب، واختاره أبو عبيد.
الباقون بالياء على الخبر.
{مُسَخَّرَاتٍ} مُذَللات لأمر الله تعالى؛ قاله الكلبي.
وقيل: {مسخراتٍ} مذللات لمنافعكم.
{فِي جَوِّ السماء} الجوُّ ما بين السماء والأرض؛ وأضاف الجَوّ إلى السماء لارتفاعه عن الأرض.
وفي قوله: {مسخراتٍ} دليلٌ على مُسَخِّر سَخّرها ومُدَبِّر مَكّنها من التصرف.
{مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله} في حال القبض والبسط والاصطفاف.
بيّن لهم كيف يعتبرون بها على وحدانيته.
{إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ} أي علامات وعبرا ودلالات.
{لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بالله وبما جاءت به رسله. اهـ.

.قال الخازن:

{ولله غيب السموات والأرض}.
أخبر الله في الآية عن كمال علمه، وأنه عالم بجميع الغيوب، فلا تخفى عليه خافية ولا يخفى عليه شيء منها، وقيل الغيث هنا هو علم قيام الساعة وهو قوله: {وما أمر الساعة} يعني في قيامها، والساعة هي الوقت الذي يقوم الناس فيه لموقف الحساب {إلا كلمح البصر} يعني في السرعة، ولمح البصر هو انطبقا جفن العين وفتحه وهو طرف العين أيضًا {أو هو أقرب} يعني أن لمح البصر يحتاج إلى زمان وحركة، والله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون في أسرع من لمح البصر وهو قوله: {إن الله على كل شيء قدير} فيه دليل على كمال قدرة الله تعالى وأنه سبحانه وتعالى مهما أراد شيئًا كان أسرع ما يكون.
قال الزجاج: ليس المراد أن الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر، ولكنه سبحانه وتعالى وصف سرعة القدرة على الإتيان بها متى شاء، لا يعجزه شيء.
قوله: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا}.
تم الكلام هنا لأن الإنسان خلق في أول الفطرة، ومبدئها خاليًا عن العلم والمعرفة لا يهتدي سبيلًا ثم ابتدأ فقال تعالى: {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} يعني أن الله سبحانه وتعالى إنما أعطاكم هذه الحواس لتنتقلوا بها من الجهل إلى العلم، فجعل لكم السمع لتسمعوا به نصوص الكتاب، والسنة وهي الدلائل السمعية لتستدلوا بها على ما يصلحكم في أمر دينكم، وجعل لكم الأبصار لتبصروا بها عجائب مصنوعاته، وغرائب مخلوقاته، فتستدلوا بها على وحدانيته.
وجعل لكم الأفئدة لتعقلوا بها، وتفهموا معاني الأشياء التي جعلها دلائل وحدانيته، وقال ابن عباس: في هذه الآية يريد لتسمعوا مواعظ الله وتبصروا ما أنعم الله به عليكم من إخراجكم من بطون أمهاتكم، إلى أن صرتم رجالًا وتعقلوا عظمة الله، وقيل في معنى الآية: والله خلقكم في بطون أمهاتكم وسواكم وصوركم، ثم أخرجكم من الضيق إلى السعة، وجعل لكم الحواس آلات: لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه واجتلاب العلم والعمل به، من شكر المنعم وعبادته، والقيام بحقوقه والترقي إلى ما يسعدكم به في الآخرة.
فإن قلت: ظاهر الآية يدل على أن جعل الحواس الثلاث بعد الإخراج من البطون، وإنما خلقت هذه الحواس للإنسان من جملة خلقه، وهو في بطن أمه.
قلت: ذكر العلماء أن تقديم الإخراج، وتأخير ذكر هذه الحواس لا يدل على أن خلقها كان بعد الإخراج لأن الواو لا توجب الترتيب ولأن العرب تقدم وتؤخر في بعض كلامها.
وأقول لما كان الانتفاع بهذه الحواس بعد الخروج من البطن، فكأنما خلقت في ذلك الوقت الذي ينتفع بها فيه وإن كانت قد خلقت قبل ذلك.
وقوله تعالى: {لعلكم تشكرون} يعني إنما أنعم عليكم بهذه الحواس لتستعملوها في شكر من أنعم بها عليكم {ألم يروا إلى الطير مسخرات} يعني مذللات {في جو السماء} الجو الفضاء الواسع بين السماء والأرض وهو الهواء.
قال كعب الأحبار: إن الطير ترتفع في الجو اثني عشر ميلًا ولا ترتفع فوق ذلك {ما يمسكهن إلا الله} يعني في حال قبض أجنحتها وبسطها واصطفاقها في الهواء، وفي هذا حيث على الاستدلال بها على أن لها مسخرًا سخرها، ومذللًا ذللها، وممسكًا أمسكها في حال طيرانها ووقوفها في الهواء، وهو الله تعالى: {إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} إنما خص المؤمنين بالذكر، لأنهم هم الذين يعتبرون بالآيات ويتفكرون فيها وينتفعون بها دون غيرهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
{وَللَّهِ} تعالى خاصةً لا لأحد غيرِه استقلالًا ولا اشتراكًا {غَيْبَ السموات والأرض} أي الأمورُ الغائبةُ عن علوم المخلوقين قاطبةً بحيث لا سبيلَ لهم إليها لا مشاهدةً ولا استدلالًا، ومعنى الإضافةِ إليهما التعلقُ بهما إما باعتبار الوقوعِ فيهما حالًا أو مآلًا وإما باعتبار الغَيبة عن أهلهما، والمرادُ بيانُ الاختصاصِ به تعالى من حيث المعلوميةُ حسبما ينبىء عنه عنوانُ الغيبية لا من حيث المخلوقيةُ والمملوكيةُ وإن كان الأمر كذلك في نفس الأمر، وفيه إشعارٌ بأن علمه سبحانه حضوريٌّ فإن تحقق الغيوبِ في أنفسها عِلمٌ بالنسبة إليه تعالى، ولذلك لم يقل: ولله علمُ غيبِ السموات والأرض {وَمَا أَمْرُ الساعة} التي هي أعظمُ ما وقع في المماراةُ من الغيوب المتعلقة بهما من حيث غيبتُها عن أهلهما أو ظهورُ آثارها فيهما عند وقوعها، فأن وقتَ وقوعها بعينه من الغيوب المختصة به سبحانه وإن كانت آنيّتُها من الغيوب التي نُصبت عليها الأدلة، أي ما شأنُها في سرعة المجيء {إِلاَّ كَلَمْحِ البصر} أي كرجع الطرفِ من أعلى الحدَقة إلى أسفلها {أَوْ هُوَ} أي بل أمرُها فيما ذكر {أَقْرَبُ} من ذلك وأسرعُ زمانًا بأن يقع في بعضٍ من زمانه، فإن ذلك وإنْ قصُر حركةٌ آنيةٌ لها هُوِيةٌ اتصاليةٌ منطبقةٌ على زمان له هويةٌ كذلك قابلٌ للانقسام إلى أبعاض هي أزمنة أيضًا، بل في آن غيرِ منقسمٍ من ذلك الزمان وهو آنُ ابتداء تلك الحركةِ، أو ما أمرُها إلا كالشيء الذي يُستقرب ويقال: هو كلمح البصر، أو هو أقرب.
وأيًا ما كان فهو تمثيلٌ لسرعة مجيئها حسبما عبّر عنها في فاتحة السورة الشريفة بالإتيان.
{إِنَّ الله على كُلِّ شيء قَدِيرٌ} ومن جملة الأشياء أن يجيء بها أسرعَ ما يكون فهو قادرٌ على ذلك، أو وما أمرُ إقامةِ الساعة التي كُنهُها وكيفيتُها من الغيوب الخاصةِ به سبحانه، وهي إماتةُ الأحياء وإحياء الأمواتِ من الأولين والآخرين، وتبديلُ صورِ الأكوان أجمعين، وقد أنكرها المنكرون وجعلوها من قبيل ما لا يدخُل تحت الإمكان في سرعة الوقوعِ وسهولةِ التأتي إلا كلمح البصر أو هو أقرب على ما مر من الوجهين إن الله على كل شيء قدير فهو قادر على ذلك لا محالة، وقيل: غيبُ السموات والأرض عبارةٌ عن يوم القيامة بعينه لما أن علمه بخصوصه غائبٌ عن أهلهما، فوضْعُ الساعة موضعَ الضمير لتقوية مضمونِ الجملة.
{والله أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أمهاتكم}.
عطف على قوله تعالى: {والله جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} منتظمٌ معه في سلك أدلةِ التوحيد من قوله تعالى: {والله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} وقوله تعالى: {والله خَلَقَكُمْ} وقوله تعالى: {والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ} والأمهات بضم الهمزة وقرئ بكسرها أيضًا جمعُ الأم زيدت الهاء فيه كما زيدت في أهراق من أراق وشذّت زيادتُها في الواحدة، قال:
أُمهتي خِندِفُ والياسُ أبي

{لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} في موقع الحال أي غيرَ عالمين شيئًا أصلًا {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة} عطف على {أخرجكم} وليس فيه دلالةٌ على تأخر الجمعِ المذكورِ عن الإخراج لما أن مدلولَ الواو هو الجمعُ مطلقًا لا الترتيبُ، على أن أثر ذلك الجعلِ لا يظهر قبل الإخراج أي جعل لكم هذه الأشياء آلاتٍ تحصّلون بها العلمَ والمعرفة بأن تُحِسوا بمشاعركم جزئياتِ الأشياء وتُدركوها بأفئدتكم وتتنبهوا لما بينها من المشاركات والمباينات بتكرر الإحساسِ فيحصل لكم علومٌ بديهيةٌ تتمكنون بالنظر فيها من تحصيل العلومِ الكسبية، والأفئدة جمع فؤاد وهو وسطُ القلب وهو للقلب كالقلب من الصدر، وهو من جموع القلة التي جرت مَجرى جموعِ الكثرة، وتقديمُ المجرور على المنصوبات لما مر من الإيذان من أول الأمر بكون المجعول نافعًا لهم وتشويقِ النفس إلى المؤخر ليتمكن عند ورودِه عليها فضلَ تمكن {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} كي تعرِفوا ما أنعم به عليكم طورًا غِبَّ طَورٍ فتشكروه، وتقديمُ السمع على البصر لما أنه طريق تلقي الوحي أو لأن إدراكه أقدمُ من إدراك البصر، وإفرادُه باعتبار كونه مصدرًا في الأصل.
{أَلَمْ يَرَوْاْ} وقرئ بالتاء {إِلَى الطير} جمع طائر أي ألم ينظروا إليها {مسخرات} مذلّلاتٍ للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسبابِ المساعدة له، وفيه مبالغةٌ من حيث إن معنى التسخيرِ جعلُ الشيء منقادًا لآخرَ يتصرف فيه كيف يشاء كتسخير البحر والفُلك والدوابِّ للإنسان، والواقعُ هاهنا تسخيرُ الهواء للطير لتطير فيه كيف تشاء فكان مقتضى طبيعةِ الطير السقوطَ فسخرها الله تعالى للطيران، وفيه تنبيهٌ على أن الطيرانَ ليس بمقتضى طبعِ الطير بل ذلك بتسخير الله تعالى: {فِى جَوّ السماء} أي في الهواء المتباعدِ من الأرضَ والسكاك واللوح أبعدُ منه، وإضافتُه إلى السماء لما أنه في جانبها من الناظر ولإظهار كمالِ أجلّ القدرة.
{مَا يُمْسِكُهُنَّ} في الجو حين قبْضِ أجنحتهن وبسطِها ووقوفِهن {إِلاَّ الله} عز وجل بقدرته الواسعة، فإن ثقلَ جسدها ورِقّةَ قوامِ الهواء يقتضيان سقوطَها ولا عِلاقةَ من فوقها ولا دِعامة من تحتها، وهو إما حالٌ من الضمير المستتر في مسخّرات أو من الطير وإما مستأنف {إِنَّ في ذَلِكَ} الذي ذكر من تسخير الطير للطيران بأن خلقها خِلْقةً تتمكن بها منه بأن جعل لها أجنحةً خفيفة وأذنابًا كذلك وجعل أجسادها من الخِفة بحيث إذا بسطت أجنحتها وأذنابَها لا يطيق ثقلها يخرق ما تحتها من الهواء الرقيق القوام وتخرق ما بين يديها من الهواء لأنها لا تلاقيه بحجم كبير {لاَيَاتٍ} ظاهرة {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي من شأنهم أن يؤمنوا وإنما خص ذلك بهم لأنهم المنتفعون به. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
{وَللَّهِ} تعالى خاصة لا لأحد غيره استقلال ولا اشتركا {غَيْبَ السموات والأرض} أي جميع الأمور الغائبة عن علوم المخلوقين بحيث لا سبيل لهم إلى إدراكها حساولًا إلى فهمها عقلًا، ومعنى الإضافة إليهما التعلق بهما إما باعتبار الوقوع فيهما حالا أو مآلا واما باعتبار الغيبة عن أهلهما، ولا حاجة إلى تقدير هذا المضاف، والمراد بيان الاختصاص به تعالى من حيث المعلومية حسبما ينبىء عنه عنوان الغيبة لا من حيث المخلوقية والمملوكية وإن كان الأمر كذلك في نفس الأمر، وفيه كما في إرشاد العقل السليم اشعار بأن علمه تعالى حضوري وأن تحقق الغيوب في نفسها بالنسبة إليه سبحانه وتعالى ولذلك لم يقل تعالى: ولله علم غيب السموات والأرض، وقيل: المراد بغيب السموات والأرض ما في قوله سبحانه: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة وَيُنَزّلُ الغيث} [لقمان: 34]. الآية، وقيل: يوم القيامة، ولا يخفى أن القول بالعموم أولى.
{وَمَا أَمْرُ الساعة} التي هي أعظم ما وقع فيه المماراة من الغيوب المتعلقة بالسموات والأرض من حيث الغيبة عن أهلهما أو ظهور آثارها فيهما عند وقوعها أي وما شأنها في سرعة المجيء، {إِلاَّ كَلَمْحِ البصر} أي كرجع الطرف من أعلا الحدقة إلى أسفلها.
وفي البحر: اللمح النظر بسرعة يقال: لمحه لمحا ولمحانا إذا نظره بسرعة {أَوْ هُوَ} أي أمرها {أَقْرَبُ} أي من ذلك وأسرع بأن يقع في بعض أجزاء زمانه فإن رجع الطرف من أعلا الحدقة إلى أسفلها وإن قصر حركة أينية لها هوية اتصالية منطبقة على زمان له هو كذلك قابل للانقسام إلى أبعاض هي أزمنة أيضًا بل بأن يقع فيما يقال به آن وهو جزء غير منقسم من أجزاء الزمان كآن ابتداء الحركة، و{أَوْ} قال الفراء: بمعنى بل.
ورده في البحر بأن بل للإضراب وهو لا يصح هنا بقسيمه، أما الإبطال فلأنه يؤل إلى أن الحكم السابق غير مطابق فيكون الأخبار به كذبًا والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك، وأما الانتقال فلأنه يلزمه التنافي بين الأخبار بكونه مثل لمح البصر وكونه أقرب فلا يمكن صدقهما معا ويلزم الكذب المحال أيضًا.